Sunday, April 19, 2009

البهائية.. ظَل أم ضلال؟


أعمدة
البهائية.. ظَل أم ضلال؟
علي أحمد الديري

هل يمكن أن نصف ديناً ما بالضلال؟

هذا السؤال أطرحه في سياق الحملة التي تتعرض لها الديانة البهائية في مصر، ومع الأسف دخول كتاب وصحافيين في سياق تأجيجها، فعلى سبيل المثال الكاتب الصحافي محمود عيسى أورد على «حادث إحراق مواطنين بإحدى قرى محافظة سوهاج بصعيد مصر، لمنازل أربعة من جيرانهم بسبب اعتناقهم البهائية» مجموعة ملحوظات تأجيجية وهي: خطأ توصيف البهائية بأنها ديانة، وجود دعاة ومبشرين لهذا الفكر الضال، وأن هناك إغراءات غالباً ما تكون مادية لجذب هؤلاء البسطاء، لأنه ليست ثمة مغريات روحانية في فكر البهائية. المؤسسة الدينية كان يفترض أن تكون أكثر يقظة، ولديها خطط لمواجهة هذا الانحراف الخطير، لأنها ستصنع من أصحاب هذه الضلالة أبطالاً وشهداء[1].
من الناحية الدينية يمكن أن نصف دين ما بالضلال، بل كل الأديان تصف الأديان الأخرى التي تليها بالضلال. لكن لا يمكن ذلك من الناحية المعرفية ولا من الناحية السوسولوجية ولا من الناحية القانونية خصوصاً المتعلقة بحقوق الإنسان. والناحية القانونية ليست هي الناحية الشرعية الدينية. القانون مفهوم حديث يشير إلى ما يبتكره العقل البشري من ضوابط لتنظيم الحياة تنظيما حراً يكفل للإنسان الأمان والعيش بحرية وعدالة، والقانون اجتهاد بشري قابل للتعديل، وتعديله ليس ضلالاً ولا هرطقة، لكن الشرع لا يمكن تعديله، وما يليه من شرع آخر يعتبر ضلالاً وهرطقة.
الدين البهائي من الناحية الاجتماعية هو جماعات بشرية من أعراق مختلفة تمارس حياتها وفق تعاليم تعتقد أنها من الله، ولها طقوسها ونصوصها وأنظمة اتصالها ورؤيتها للعالم. لا يمكن أن نصف هذه الجماعات بالضلال، فالقانون العام الذي يحكم أية دولة عصرية، يحتم حماية الجماعات المختلفة في مفهومها للضلال. لا أن يتبنى وجهة نظر جماعة دينية في مفهومها للضلال ضد جماعة أخرى، لذلك فالدولة الحديثة محايدة تجاه الأديان.
في الفيلم القصير الذي أعده المدون أحمد عزت، كانت الفتاة البهائية تقول «موش حاسة أنا في مجتمع طبيعي» وكان الشاب البهائي يقول «البهائيون يسمح لهم أن يعيشوا لكنهم غير موجودين في نظر الدولة»[2].
إذا كانت الدولة ترى جماعة دينية أنها ضالة، فإنها لا تستطيع أن تنظر إليها، والنظرة اعتراف بالجماعة، والجماعة متى فقدت اعتراف الدولة بها، لا تستطيع أن توجد وجوداً طبيعياً في المجتمع. الدولة بنت القانون الحديث، لا بنت الشرع.
الشرع يعترف بالإنسان وفق مفهومه للضلال، والدولة تعترف بالإنسان وفق مفهومها للشخص، الشخص هو ذات لا يوصف بالضلال والهداية بل يوصف بالوجود والعدم. متى كان موجوداً تعترف به الدولة في سجلاتها، ومتى مات سقط من سجلها ودخل في أرشيفها.
الدين في مفهوم الدولة ليس مجموعة اعتقادات نصفها بالحق والهداية أو بالباطل والضلال، الدين مجموع حيوات البشر بأشكالها المختلفة، ولهذه الأشكال حق الوجود والاعتراف في الدولة.
شخصياً لي تجربتي القريبة جداً من البهائيين، وقد قابلت الكثير منهم وحضرت حفلات زواجهم ومناسباتهم الدينية وجلساتهم الاجتماعية. وهي معرفة تتيح لي أن أكوّن معرفة عملية بطبيعة المناخ الديني الذي يحكم رؤيتهم ويضبط نظامهم الأخلاقي. وهو نظام شديد الصرامة من حيث العفة والروحانية ويعوّل دوما على الصوت الداخلي للفرد. وعلم الاجتماع يعلمنا أن الأقليات دوماً تعوّل على النظام الأخلاقي الداخلي أكثر من النظام الخارجي كما هو الأمر مع جماعات الأكثرية.
والبهائية ليست استثناء في ذلك، فهي لو تحوّلت في أي مكان إلى أكثرية سينطبق عليها القانون الاجتماعي في التحول إلى نظام له سلطته الخارجية أكثر من سلطته الداخلية. وهي ليست استثناء أيضاً من الأديان فيما يتعلق برغبتها في الانتشار واعتقادها بالأفضلية والعقلانية والشمولية والحقانية والمحاججة اللاهوتية واعتبار دينها خلاصاً للبشرية، واعتماد الأمثلة والقصص والمجازات والأحلام في عملية الإقناع والتربية.
في إحدى حفلات عقد القران البهائي بالبحرين، كنت والصديق علي الجلاوي الذي أصدر كتابه عن البهائية في البحرين، لفت انتباهي في هذا الحفل الحضور الطاغي للغة العربية، حتى في صيغة عقد القران والأدعية التي تقرأ معه، رغم أن جميع معتنقي البهائية بالبحرين من أصول إيرانية. كان الدعاء الذي قرأ في جلسة العقد: «إلهي إلهي هذان القمران قد اقترنا بحبك واتحدا في عبودية عتبة تقديسك واتفقا على خدمة أمرك. فاجعل هذا الاقتران تجليا من فيوضاتك» علق الدعاء في قلبي مباشرة، كما يعلق قمر في قلب عاشق، وذلك لفرط الحب والروحانية التي تفيض بها كلمة «القمران».
الديانة البهائية كما عايشتها عن قرب، تفيض بهذه الروح القمرية، بل إنها تُقمر في الإنسان، وتجعل روحه قمرية، في إحدى زياراتي أهداني الصديق البهائي «ورقاء» كتاب مثنوي، قال لي الدين البهائي يعلمنا المحبة والعشق، محبة النور والبهاء والإنسان، ستجد جلال الدين الرومي، يعبر عن جوهر ذلك في ديوانه هذا. فتحت الكتاب فقرأت جلال الدين يقول «عن ماذا تبحث فأنت ذاك». كل الأديان تبحث عبر الإنسان عن الله ذلك المطلق، فكل طرق البحث تستحيل فيك ديناً وطريقا يصلك بالله.
كان المتصوف الكبير ابن عربي يقول «قل في الكون ما شئت»[3] لن تضل طريق الله، فالله في كل الكون، وكل قول تقوله سيصلك بالله من أي جنبة كانت.
يقول بهاء الله «إن الكلمة هي المعلم الأول في جامعة الوجود وهي النقطة الأولى التي ظهرت من الله. كل الأسماء نابعة من اسمه والبدايات والنهايات لكل الأمور في قبضة يده[4]».
والمتصوف المسلم ابن عربي كان يرى في الأسماء الإلهية مظاهر وجود الله، وكان في كتابه فصوص الحكم يقدم قراءة للعالم والوجود من خلال أسماء الله، باعتبارها مجازات وطرق لرؤية العالم وفهمه والعيش فيه.
هل يمكن أن نصف دين ما بالضلال؟ إذا كان ثمة ضلال، فهو أن لا ترى ظلال الله في كل الطرق وفي كل الأغصان التي تحدث عنها بهاء الله في ندائه للعالم «يا أهل العالم إنكم ثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد ورود بستان واحد وقطرات محيط واحد فلتتخلقوا بالمحبة الكاملة والاتحاد والصداقة والفهم»[5].
هوامش

[1] محمود عيسى، الفتنة البهائية، جريدة الوطن القطرية، 10-4-,2009
http://www.al-watan.com/data/20090410/innercontent.asp?val=writer/mahmodesa1_1
[2] انظر:
http://www.youtube.com/watch?v=drAe_hSCaxI&feature=PlayList&p=841A4BCE9E873E26&index=0&playnext=1
[3] ابن عربي، فصوص الحكم.
[4]، [5] انظر:
http://rands1957.spaces.live.com/blog/cns!7CE1906B800AE160!128.entry?_c=BlogPart

No comments:

Post a Comment